يبدو أن الملك محمد السادس انتظر قرابة عقد من الزمن من أجل تسجيل حضوره في المجال الرياضي بشكل مباشر، ولا يمكن تبرير هذا الابتعاد الإرادي إلا بعاملين، أولاهما أن الملك الشاب كان أمام رهانات أهم وأقوى بعد اعتلائه للعرش سنة 1999، إذ أن مشاكل السكن والفقر والبطالة وضعف الاقتصاداصطفت على رأس الأولويات على حساب القطاع الرياضي، وثانيهما أن الملك أراد بشكل أو بآخر متابعة الأمور من بعيد والانتظار إلى غاية استنزاف المسؤولين على الشأن الرياضي لكل اجتهاداتهم قبل تحقيق الدخول القوي، وهي العادة التي دأب عليها القصر في عدة مجالات أخرى من أجل احتكار الفعل وكسب الشرعية المطلقة.

لكن العشر سنوات الماضية تخللها حضور ملكي متفرق فرضته بعض المناسبات كحدث الترشح لكأس العالم سنتي 2006 و2010، وهو الرهان الذي ورثه الملك محمد السادس عن والده الذي بلغ به الهوس بكرة القدم حد الدخول في منافسة حادة على احتضان أكبر ملتقى كروي مع الولايات المتحدة سنة 1994 وفرنسا سنة 1998. وعَكس ترشيح المغرب في العقد الأخير حضورا بارزا للملك خصوصا من خلال تعيينه لمندوبين ساميين لمتابعة ملف الاحتضان، ثم من خلال التعهد بالوفاء بالالتزامات التي يفرضها دفتر التحملات عبر شيك من ماله الخاص.

ورغم أن الفوز لم يحالف المغرب في احتضان كأس العالم، فإن أعلى سلطة بالبلاد حاولت تجاوز هول الصدمة التي ألمت بالمغاربة خلال الترشح الرابع، ذلك أن الإعلان عن فوز جنوب إفريقيا يوم 15 ماي 2004 جاء يوما واحدا قبل تخليد الذكرى الأولى لأحداث 16 ماي الإرهابية، وتمثلت أول مبادرة في تصريح الوزير الأول ادريس جطو مساء نفس اليوم من قلب العاصمة البوركينابية بأن المغرب سيكمل مشوار بناء الملاعب وإنهائها في توقيتها المحدد في إشارة إلى ملاعب مراكش وأكادير وطنجة، وهو ما أصبح قريب التحقق بعد إدراج تكاليف إنهاء الأشغال ضمن الميزانية السنوية العامة للدولة.

كل ما سبق لم يكن ذا وقع كبير على المتتبعين الرياضيين، فالملك محمد السادس مارس عقلانية واضحة في تعامله مع القطاع الرياضي من خلال أخذ المسافة الكافية قبل اتخاذ أي رد فعل عكس والده الذي كان كل شيء يمر من يديه حتى لو تعلق الأمر باختيار مدرب للمنتخب الوطني لكرة القدم أو تحديد التشكيلة التي سيواجه بها المغرب خصومه. ورغم أن حضور محمد السادس في القطاع الرياضي برز من خلاله تدشينه للملعب الكبير بالدارالبيضاء سنة 2007 وإشرافه في 24 ماي 2008 على وضع الحجر الأساس لبناء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم بضواحي سلا الجديدة، فإن الخروج الكبير كان بمناسبة المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات يومي 24 و25 أكتوبر 2008، إذ لم يفوت الملك فرصة أول احتكاك مع الحركة الرياضية وقدم من خلال الرسالة الموجهة للمناظرة خلاصة معاينته للقطاع طيلة السنوات التسع الماضية كفاعل أساسي في النسق السياسي، إذ استعمل خطابا عنيفا وقاسيا وصريحا في الآن ذاته، موظفا فيه كلمات وألفاظ يظهر من خلالها أن أعلى مؤسسة بالبلاد انتظرت كثيرا قبل أن تفجر ما في جعبتها، والظاهر أن الهدف من هذا الخطاب كان هو إحداث الصدمة من خلال تغيير منهجية التواصل من مفردات ديبلوماسية إلى مفردات مباشرة مستمدة من الواقع اليومي للرياضة (اختلالات، ارتجال، تدهور، مطية، تطفل، ارتزاق، أغراض شخصية، غياب الشفافية والديموقراطية، الجمود في العمل، غياب التجديد…). لقد كان الهدف من الخطاب المباشر والعنيف إحداث القطيعة مع طرق التدبير السابقة، والتأشير على مرحلة جديدة بأساليب جديدة.

وتضمنت الرسالة أيضا خطابا واقعيا واقتراحيا، فهي لم تكتف بعرض الإشكالات وإنما بتقديم عناوين كبرى للحلول، كما أنها حملت إشارات واضحة بخصوص السياسة العامة للدولة في المجال الرياضي (ما يقتضي وضع استراتيجية وطنية، إعطاء رياضة النخبة والقاعدة نفس الاهتمام في السياسات الرياضية العمومية…). لكن الملاحظة الأساسية هي أن الملك استعمل أيضا خطابا احتكاريا للمبادرة والفعل، من خلال استحضار الذات بوصفها منطلقا لأي تشخيص أو تقييم اعتبارا لما يحظى به هذا القطاع لدى جلالتنا من بالغ الأهمية والاهتمام، إن غيرتنا على القطاع تجعلنا، وهو ما لا نرضاه لبلدنا، نهيب بكافة الفاعلين…”. كما استحضر الخطاب مجددا الآليات التي يوظفها الملك في تذخله في التدبير القطاعي، إذ تمت الإشارة مجددا إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن.

إن الدخول الأخير للملك إلى المجال الرياضي من خلال الدعم المقدم للجنة الصفوة باللجنة الأولمبية لإعداد الرياضيين لأولمبياد لندن 2012، ورفع ميزانية جامعة كرة القدم إلى 40 مليار سنتيم سنويا بعد دعمه لها بحوالي 25 مليار سنتيم، وإشرافه المباشر على تدشين بعض المشاريع الرياضية (أكاديمية محمد السادس الدولية لألعاب القوى وكرة القدم بإيفران وسلا)، يدل على أن القطاع الرياضي أصبح بين يدي القصر خصوصا بعد الهزات العنيفة التي عاشتها الرياضة المغربية في السنوات الأخيرة، كما يزيد في تأكيد أن الرسالة الملقاة في المناظرة الوطنية للرياضة كانت انطلاقة لتنفيذ برنامج محدد يتراوح بين الدعم المالي السخي وبين تغيير بعض الوجوه من على رأس الجامعات السيادية (جامعتا كرة القدم والتنس).

ورغم أن الحكم على نتائج الدخول الذي سجله الملك محمد السادس في المجال الرياضي سابق لأوانه، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل ملاحظات أساسية:

- أولاها: إن طريقة تدبير القطاع تختلف عن سلفه الذي اعتمد عشوائية واضحة في التسيير وفي توزيع المنح المالية، في حين أن السياسة الحالية تغلب عليها العقلانية المبنية على تقديم الوسائل المادية وفسح المجال أمام المبادرة الخاصة للمسؤولين عن المؤسسات الرياضية، مع الاحتفاظ بحق المراقبة والتتبع.

- ثانيها: إن غياب استراتيجية واضحة موازية للدعم المالي قد يفرغ العملية من محتواها، ذلك أن رصد 33 مليار سنتيم من أجل إعداد أبطال في أولمبياد 2012 يعد ضربا من ضروب المستحيل، إلا إذا كان للصدفة دورها، ذلك أن إعداد بطل أولمبي يتطلب على الأقل 10 سنوات من العمل المنظم، كما أن رصد 25 مليار للمنتخبات الوطنية في غياب سياسة تعتمد على القاعدة بالدرجة الأولى سيضعنا أمام حقيقة فظيعة متمثلة في تزيين ملامح القمة (المنتخبات) وإضعاف الأندية والاكتفاء بسياسة الاعتماد على الطاقات المتكونة الخارج.

- ثالثها: إن أي فشل في تحقيق الأهداف التي من أجلها تم تقديم الدعم المالي قد يفقد المؤسسة الملكية الثقة في القطاع الرياضي. أن الحكم نهائياأن

على العموم، إذا كان من السهل تقييم الحضور الملكي في بعض المجالات الأخرى كحقوق الإنسان والسكن والمرأةفإنه من الصعب على ما يبدو إعطاء حكم ولو مبدئي على حصيلة الملك في المجال الرياضي بما أنه لم يسجل حضوره فيه إلا قبل حوالي سنة من الآن، هذا في حالة الإقرار بأن اشتغال الملك يتم يمعزل أو بموازاة مع العمل الحكومي، أما إذا كان الإقرار بأن حصيلة العمل الحكومي تندرج ضمن الحصيلة العامة للملك بما أنه الواضع لسياستها الحكومية، فإنه من السهل الوصول إلى نتيجة أساسية وهي أن غياب سياسة رياضية أفرز عدة إشكالات من بينها أن 44 جامعة رياضية لا تؤطر سوى 0.75 من ساكنة المغرب، وأن عدد الممارسين المرخص لهم لا يتجاوز 300 ألف، ما يمثل حوالي 1.32 من الفئة السكانية المؤهلة للممارسة الرياضية (5-34 سنة)، أما على مستوى التجهيزات الرياضية، فتكفي الإشارة إلى أن نصيب الفرد المغربي منها لا يتجاوز 1.152 متر مربع مقابل 8.5 متر مربع للفرد الفرنسي و9.25 للفرد الألماني.

د.منصف اليازغي

باحث في السياسات العمومية والقوانين الرياضية

www.booksport.ma