لم يبدأ مشاركته إلا سنة 1972 وغاب عن العديد من الدورات
المغرب يسجل مشاركته 14 وسط ذكريات لقب يتيم بإثيوبيا سنة 1976
د. منصف اليازغي
رغم أن كأس الأمم الإفريقية دشنت بدايتها عام 1957 سنة واحدة بعد تأسيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف)، فإن المغرب لم يقدم طلب انخراطه إلا سنة 1959، كما أنه لم يسجل حضوره في النهائيات إلا سنة 1972 بالكامرون بعد 15 سنة عن إجراء أول دورة بالسودان.
ورغم أن المغرب من بين الدول الأولى التي حصلت على الاستقلال في القارة السمراء سنة 1956، فإن أول مشاركة خارجية له كانت على الصعيد العربي في الألعاب العربية التي جرت ببيروت سنة 1959، قبل أن ينفتح على العالم من خلال تصفيات كأس العالم 1962 بالشيلي، وهي المنافسة التي ألزمته بخوض مباراة السد أمام ممثل أوربا اسبانيا بعد تجاوزه لجل الفرق الإفريقية، ما دفعه إلى قيادة احتجاج إفريقي من العيار الثقيل تمثل في مقاطعة تصفيات دورة 1966 بانجلترا.
وبعد مشاركة تاريخية بمونديال 1970 بالمكسيك، قرر المغرب الالتفات إلى القارة الإفريقية من منطلق أن له جذورا تاريخية وجغرافية تجمعه بها، إضافة إلى ضرورة تعويد اللاعبين على التباري إفريقيا بما أن تصفيات كأس العالم تمر في الاصل عبر مواجهة فرق إفريقية.
لم يدخل المنافسات إلا سنة 1972 وقاطع دورة 1974 احتجاجا على التحكيم
أكدت كأس إفريقيا بالكامرون سنة 1972، التي شهدت أول مشاركة للمنتخب المغربي في النهائيات الإفريقية، كيف أن كرة القدم كما بإمكانها أن تثير مشاعر الفرحة، قد تكون وراء ردود فعل غير محسوبة العواقب. فخلال النهائيات، تمكن المغرب من تحقيق التعادل في جل مباريات الدور الأول بنتيجة هدف لمثله أمام الكونغو والسودان والزايير، قبل أن يقصى بالقرعة التي فسحت المجال أمام منتخب الكونغو للمرور إلى الدور الثاني. وكان المغرب ضحية التحكيم الإفريقي، إذ كان يتعين عليه تسجيل ثلاثة أهداف ليقبل الحكم هدفا واحدا، ونتيجة لهذه التلاعبات، اتخذ المهدي بلمجدوب، الناخب الوطني آنذاك، قرارا بمقاطعة المنافسات الإفريقية، وبالتالي، لم يشارك المغرب في التصفيات المؤدية إلى كأس إفريقيا بمصر سنة 1974. وكان تبرير هذا القرار بأن المغرب الذي أحرج ألمانيا بكأس العالم 1970 لا يمكنه القبول باللعب في ملاعب سيئة وفي ظل تحكيم أسوأ، وهو ما حتم على المنتخب المغربي انتظار تصفيات كأس العالم بألمانيا سنة 1974، التي انهزم المغرب في تصفياتها أمام زامبيا والزايير نتيجة سوء تقدير من اللاعبين ومبالغتهم في الثقة في النفس وأيضا بسبب قلة الاحتكاك مع المنتخبات الإفريقية.
وكاد المغرب يغيب عن نهائيات إثيوبيا سنة 1976، إذ خسر مباراة الذهاب أمام غانا بأكرا بهدفين لصفر، قبل أن يعوض خسارته بالمغرب ويلتجئ إلى الضربات الترجيحية التي منحته التأهل بأعجوبة. وكانت تلك النهائيات فأل خير على المغرب رغم الظروف التي جرت فيها، فإثيوبيا خرجت للتو من انقلاب عسكري طرح شكوكا عديدة حول ما إذا كانت المنافسات ستجري أم لا، لكن رغبة الحكام الجدد في تأكيد وفائهم بالتزامات إثيوبيا الدولية وفي استغلال حدث رياضي للترويج لصورة بلد قلب صفحة النظام الامبراطوري، دفع في اتجاه تنظيم الدورة العاشرة.
وقاد منتخب المغرب جيل من اللاعبين الموهوبين أمثال فرس والهزاز واعسيلة، وكانت البداية بالتعادل ضمن مباريات مجموعة ديرداوا أمام السودان المتمرس على النهائيات الإفريقية (2-2)، قبل أن يحقق انتصارا حمل نفسا انتقاميا على منتخب الزايير(1-0) الذي أقصى المغرب من حضور كأس العالم 1974 بتواطؤ مفضوح مع الحكم، لينهي مشواره في المجموعة بهزم منتخب نيجيريا بثلاثة أهداف لواحد، وهو الفوز الذي أهل المغرب لخوض الدور الثاني.
وكان النظام المعمول حينها يفرض إجراء بطولة مصغرة ثانية في الدور الثاني، فلعب المغرب أمام مصر فهزمها بهدفين لواحد، وبالنتيجة ذاتها تجاوز نيجيريا مجددا، ليجد نفسه مطالبا بتحقيق التعادل في المباراة الثالثة أمام غينيا من أجل الظفر باللقب، في الوقت الذي كان يحتاج فيه الغينيون إلى الفوز. وتقدم منتخب غينيا بهدف واحد، قبل أن يهز اللاعب الشريف الشباك الغينية بهدف التعادل قبل دقائق قليلة من نهاية المباراة، ليفوز المغرب بأول وآخر لقب إفريقي إلى غاية الآن.
ما بين غانا 78 وبوركينافاصو 98 ظل المغرب غير قادر على تحقيق العودة
دخل المغرب الكأس الإفريقية الثالثة في تاريخه بأوغندا سنة 1978 بالتشكيلة ذاتها تقريبا التي لعب بها قبل سنتين بإثيوبيا وحاز بها على اللقب. وبعدما تعادل مع تونس (1-1) وفاز على الكونغو (1-0)، وفي الوقت الذي لم يكن التأهل إلى الدور الموالي سوى مسألة وقت فقط، خسر وسط استغراب المتتبعين أمام منتخب أوغندا المغمور بثلاثة أهداف للاشيء، وهي أقسى نتيجة خسر بها المغرب طيلة مشاركاته في النهائيات الإفريقية، في حين أنها تعد أول وآخر إنجاز بالنسبة إلى الأوغنديين.
وعاد المنتخب الوطني إلى أرض الوطن، بعدما دخل الدورة الإفريقية حاملا للقب الدورة السابقة، محملا بإقصاء مرير وبفضيحة الفوضى التي أثارها بعضد اللاعبين بأحد فنادق أكرا وكانت سببا في توقيفهم من طرف الجامعة المغربية. وكانت المناسبة مواتية للفرنسي غي كليزو من أجل معاودة دق أبواب المنتخب الوطني بعد ارتفاع الأصوات المنادية بإقالة الروماني مارداريسكو، علما أن القرار الذي اتخذ قبل توجه المنتخب الوطني إلى غانا هو تعويض الأخير بالإطار الوطني محمد العماري الذي حقق لقب البطولة الوطنية مع النادي القنيطري.
وبعد الهزة التي شهدتها الكرة المغربية نتيجة انهزام المغرب أمام الجزائر (5-1) في التصفيات المؤدية إلى الألعاب الأولمبية بالاتحاد السوفياتي (سابقا) سنة 1980، تقرر تكوين منتخب شاب لحضور دورة 1980 بنيجيريا، ورغم أن الجميع كان يراهن على خروج مبكر للمغرب بالنظر إلى فتوة عناصره، فقد تمكن من التقدم بهدوء صوب نصف النهاية لثاني مرة في تاريخه بعد تعادله مع غينيا (1-1) وفوزه على غانا (1-0) وخسارته أمام الجزائر(0-1). ومن سوء حظ أصدقاء الزاكي والظلمي أن نصف النهاية حكمت عليهم بمواجهة منتخب البلد المضيف الذي حقق تأهله إلى النهاية بعد فوز صغير وصعب (1-0). ونجح المغرب في الظفر بالمركز الثالث بعد تغلبه في مباراة الترتيب على مصر (2-0)، إضافة إلى تتويج مهاجم الفتح الرباطي خالد الأبيض هدافا للدورة بثلاثة أهداف.
ورغم هذا التألق البين، فإن المغرب عاد ليغيب عن دورتين متتاليتين بليبيا والكوت الديفوار، قبل أن يسجل حضوره في نهائيات مصر سنة 1986، وهي النهائيات التي اكتفى المغرب خلالها باحتلال الصف الرابع بعد خسارته أمام البلد المضيف في نصف النهاية بهدف للاشيء بواسطة طاهر أبو زيد الذي قيل عن مشاركته في الدور الثاني الشيء الكثير. وكان عزاء المغرب في السنة ذاتها حضوره كأس العالم بالمكسيك وتحقيقه لأول إنجاز عربي وإفريقي بعد تجاوزه للدور الأول.
وكانت السقطة التي عجلت برحيل المدرب البرازيلي المهدي فاريا بمناسبة دورة الدارالبيضاء سنة 1988، فبعد مسار ناجح في الدور الأول على حساب الزايير والجزائر والكوت الديفوار، جاءت خسارة المغرب في نصف النهاية أمام الكامرون بهدف للاشيء لتطيح بجيل كامل.
ولم ينجح الجيل الجديد الذي قاده المخضرم بادو الزاكي في تأهيل المغرب إلى نهائيات الجزائر سنة 1990 بعد اكتفاء المغرب بالتعادل أمام مالي بمراكش (1-1) في واحدة من أكبر المفاجآت التي شهدتها التصفيات.
ورغم حضور المغرب في نهائيات السينغال سنتين بعد ذلك بطموح كبير رفقة جيل خالد راغب ونورالدين النيبت، فإن الخروج كان سريعا، فبعد خسارة منطقية أمام الكامرون العائد من مشاركة متميزة بكأس العالم بإيطاليا بهدف للاشيء، كان يتعين على المغرب تجاوز الزايير من أجل بلوغ دور الربع بما أن المجموعات الأربع كانت تضم ثلاثة منتخبات فقط، لكن مباشرة بعد تسجيل محمد الركبي للهدف الأول، وفي الوقت الذي ما زال فيه لاعبو المغرب يتبادلون التهاني، سجل منتخب الزايير هدف التعادل، ما كان يعني ضرورة انتظار خسارة الأخير أمام الكامرون، وهو ما لم يتحقق بعد تعادل متفق عليه بهدف لمثله بين الاثنين.
ونتيجة تلاعب في توقيت المباريات الإقصائية من أجل التأهل إلى كأس إفريقيا بتونس سنة 1994، غاب المغرب عن النهائيات معوضا ذلك بتأهله إلى النهائيات العالمية بالولايات المتحدة في السنة ذاتها. لكن الغياب تكرر مجددا عن دورة 1996 بجنوب إفريقيا، قبل أن يتحقق التأهل بمناسبة دورة بوركينافاصو سنة 1998. وخلال هاته الدورة كان المغرب أقوى مرشح للظفر باللقب بالنظر إلى تحقيقه للتأهل إلى كأس العالم بفرنسا واحتلاله للصف الرابع عشر في تصنيف الاتحاد الدولي (فيفا). ونجح المغرب في تصدر مجموعته الأولى أمام زامبيا والموزمبيق ومصر، قبل أن يصطدم بجنوب إفريقيا في دور الربع الذي خسره بهدفين مقابل هدف واحد، ليخرج سريعا ضدا على كل التوقعات التي سبقت الدورة.
رغم نجاح المغرب في تحقيق التأهل في الدورتين المواليتين بنيجيريا وغانا سنة 2000 ومالي سنة 2002، فإن ذلك لم يضمن للمغرب تجاوز الدور الأول على الاقل. فبنيجيريا فشل المغرب في تحقيق التعادل أو الانهزام على الأقل بهدف للاشي في مباراته الثالثة عن الدور الأول أمام نيجيريا، ما فسح المجال لتونس للتأهل إلى الدور الموالي. وبمالي، بالغ اللاعبون في استصغار الخصوم، ما كان وراء اكتفائهم بالتعادل أمام غانا (1-1) وخسارتهم أمام جنوب إفريقيا بثاني أقوى حصة في تاريخ مشاركات المغرب (3-1).
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينسى المغاربة الفرحة التي دبت في كل بيت في المملكة بعد الإنجاز الذي قاده المدرب الوطني بادو الزاكي في نهائيات تونس سنة 2004، إذ كان بلوغ النهاية آخر ما توقعه المغاربة قبل رحيل المنتخب المغربي إلى صفاقس لخوض أول مباراة أمام نيجيريا، بل إن بعض الظرفاء أطلقوا نكتا عديدة من بينها أن محرك طائرة المنتخب المغربي سيظل مشغلا بما أنه لن يتجاوز الدور الأول.
ونجح المغرب في خنق نيجيريا بهدف يوسف حجي، قبل أن يزور شباك البنين برباعية نظيفة، ليكتفي في المباراة الثالثة أمام جنوب إفريقيا بالتعادل (1-1)، ليتأهل لمواجهة الجزائر في مباراة تاريخية بسوسة. وتجاوزت هاته المباراة حدودها الرياضية فامتزجت بجوانب سياسية جمعت البلدين منذ حرب الرمال سنة 1963، فاستغل الجزائريون الفرصة لترديد شعارات معادية للمغرب ليكون رد أسود الأطلس رياضيا بثلاثية بديعة مازالت مواقع الأنترنيت تتناقلها.
وفي مباراة نصف النهاية أمام مالي، نجح المغرب في توقيع أقوى حصة (4-0) تسجل في هذا الدور منذ انطلاق النهائيات وسط استغراب الجميع، بل إن التونسيين الذين تأهلوا إلى النهاية بصعوبة أمام السنغال تأكدوا أن الفوز باللقب لن يكون سهلا ولو تعلق الأمر بإجراء المباراة وسط جمهورهم بملعب رادس.
ودخل المغرب لقاء النهاية بعزم كبير للظفر بثاني لقب في تاريخه الكروي، في حين كان التوسيون يمنون النفس بأول لقب. ورغم تقدم تونس بهدف سانتوس البرازيلي الاصل، فإن المنتخب المغربي حقق التعادل بواسطة يوسف المختاري قبل أن يهيمن على مجريات المباراة، ولولا خطأ في التقدير للحارس خالد فوهامي الذي أفلتت كرة من يديه ليكملها الجزيري إلى الشباك المغربية لكان اللقب من نصيب المغرب.
واستقبل الملك محمد السادس الوفد المغربي بالقصر الملكي بأكادير، وسلم 32 فردا منه شيكا موقعا باسم الملك بمبلغ 83 ألف أورو يسحب من بنك المغرب، إضافة إلى حوالي 58 ألف أورو من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
وبالنظر إلى المشاكل الفنية التي أعقبت رحيل الزاكي ثم من بعده الفرنسي فيليب تروسيي، فقد خرج المغرب من الدور الأول خلال دورة مصر 2006، بعد تعادلين أمام مصر وليبيا وخسارته بضربة جزاء ساحل العاج، علما أن كلا من مصر وساحل العاج بلغا المباراة النهائية. وشكلت المشاركة ضربة حقيقية للكرة المغربية التي انتشت بلقب وصيف بطل دورة تونس، إذ لم يسجل المغرب ولو هدفا واحدا، وهو الذي حقق أعلى عدد من الأهداف في دورة تونس ب14 هدفا. قبل أن يتكرس الأمر بدورة أنغولا تحت قيادة الفرنسي هنري ميشيل، إذ خسر المغرب مباراتين أمام غانا وغينيا وفاز في مباراة واحدة على ناميبيا ما عجل بخروجه مبكرا من المنافسة.
وراهن جيل الشماخ رفقة البلجيكي إيريك غيريتس على دورة الغابون وغينيا الاستوائية سنة 2012 لتجاوز مرحلة الفراغ التي دامت أربع سنوات، زادهم في ذلك الفتوة التي تميز أغلب اللاعبين، لكن الحصيلة كانت صادمة بعدما خسر المغرب أمام تونس والغابون وفاز على النيجر.