تغاضي الدولة عنها في العقود الماضية شكل دعما غير مباشر للممارسة

صدر شهر يناير الماضي مرسوم رقم 2.11.746 القاضي باستخلاص بعض الموارد المالية عن السنة المالية 2012. ومن ضمن الموارد المتوقعة عائدات الضرائب التي ستفرض على الشركات الرياضية وأجور اللاعبين الرياضيين المحترفين. هذا المعطى جاء متوازيا مع صدور قانون التربية البدنية 09.30 والمراسيم المنظمة له، والقانون المشار إليه فصل في الجانب المتعلق بالتحول من جمعية رياضية إلى شركة رياضية، وهو ما يعني أن الشركة الرياضية كما ستستفيد من نظام الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية، فإنها أيضا ستكون ملزمة بأداء الضرائب على الأرباح في زمن شهدنا فيه بلوغ أجور المدربين بالبطولة الوطنية سقف 350 ألف درهم كما هو حال مدرب الوداد البيضاوي.

 الضريبة على الرياضة في التجارب الأجنبية

عكس المغرب، ترى العديد من الدول في الرياضة موردا إضافيا بحكم الأرباح التي تحققها الفرق، فإيطاليا لها مثلا نظام ضريبي تقدمي أو تزايدي، أي أنه كلما زاد دخل الفرد كلما أثر اضطراديا في الضرائب المفروضة. ولا تعامل الفرق بإيطاليا كمنظمات كما هو الحال بأغلب الدول بل إنها تخضع للنظام التزايدي، وبما أن هذه الفرق تكسب أكثر من سقف 75.001 أورو فان النظام الضريبي يفرض عليها دفع 43 في المائة. وفي انجلترا يتم معاملة الفرق كمنظمات أو شركات وهذا يعني تقليل الضرائب لزيادة الاستثمار. وكانت الضريبة في انجلترا على الفرق تصل إلى 30 في المائة قبل أن يتم تقليصها الى 28 في المائة منذ تاريخ أبريل 2008.

هذا التنظيم الصارم لمجال الضرائب المفروضة على اللاعبين مهما بلغت شهرتهم جعل العديد من مشاهير الرياضة العالمية يقفون أمام العدالة بتهمة التهرب الضريبي، فقد وجد بطل العالم الأسبق في الدراجات النارية الإيطالي فالنتينو روسي نفسه سنة 2008 أمام دعوى تطالبه ب60 مليون أورو لصالح الخزينة بعد تهربه من دفع الضرائب عن الفترة المتراوحة ما بين 2000 و2004، بل إن الكنيسة دخلت على الخط بعد تصريح القس كلاوديو ميجليورانسا بضرورة متابعة فالنيتنو بدون الأخذ في الاعتبار ماضيه الرياضي الحافل. وتكرر الأمر ذاته بالنسبة إلى لاعبي التنس بألمانيا ستيفي غراف وبوريس بيكر على التوالي سنتي 1996 و2002 نتيجة تهربهما من دفع ضرائب بقيمة 13.1 مليون أورو و12 مليون أورو. أما بدولتي الأرجنتين والبرازيل، فإن المداخيل من الضرائب المفروضة على مداخيل الرياضيين الممارسين في الخارج (كرة القدم، تنس، ألعاب القوى…) تأتي في الصف الثاني في قائمة مداخيل الدولة.

وبلغت حدة التشديد بخصوص دفع الضرائب في المجال الرياضي حد التسبب في فقدان بريطانيا حق تنظيم المباراة النهائية لدوري أبطال أوربا لسنة 2010 لصالح ملعب برنابيو الإسباني، إذ رفضت السلطات البريطانية تقديم ضمانات للاتحاد الأوربي بأن لاعبي الفريقين المشاركين في النهائي لن يطبق عليهم نظام الضرائب. ويرى الاتحاد الأوروبي في هذا الجانب أن اللاعبين يجب أن يحاسبوا ضريبيا فقط في الدول التي يلعبون في بطولاتها المحلية، في حين يعتبر أنه ليس من العدل فرض الضرائب عليهم في المباريات الخارجية القارية أو الدولية.

ولا يقتصر الأمر على دول أوربا، فمصر تطبق نظاما ضريبيا صارما على لاعبي الدوري المحلي، فقد تم سنة 2006 إحالة كل من عماد متعب ومحمد بركات وحسام غالي لاعبي الأهلي على التحقيق بسبب تهرب ضريبي، كما تم التحقيق سنة 2008 مع لاعب منتخب مصر محمد أبوتريكة بخصوص تهرب من دفع الضرائب على الإعلانات الإشهارية التي شارك فيها، بل إن الزمالك المصري رفض التعاقد مع المدرب الإيطالي زاكيروني بعدما أًصر على توقيع عقد ب70 ألف أورو شهريا خالص من الضرائب.

 الدولة المغربية دعمت الرياضة من خلال غض الطرف عن الضريبة

بالنسبة إلى التشريع المغربي بخصوص الضريبة على الدخل فقد كان واضحا، فالدستور أشار في فصليه الرابع والخامس إلى أن على الجميع الامتثال للقانون وأن جميع المغاربة سواء أمامه، قبل أن يتوضح ذلك في قانون الضريبة على الدخل الذي عدد أنواع الدخل المفروضة عليها الضريبة ومن بينها الأجور والدخول المهنية، وحدد في إطار إقليمية الضريبة الخاضعين لها وهم الأشخاص الطبيعيون المقيمين بالمغرب والأشخاص الطبيعيين الذين ليس لهم محل إقامة معتادة بالمغرب شريطة إقامتهم 183 يوما في كل 365 يوما (6 أشهر).

بناء على ما سبق، فإن اللاعب والمدرب والمعد البدني والحكم وطبيب الفريق ويخضعون بحكم القانون لمقتضيات الضريبة على الدخل بما أن لديهم دخل شهري، نفس الأمر بالنسبة إلى المدرب الأجنبي سواء بالفرق أو بالمنتخبات الوطنية، في حين أن الفرق لا تخضع للضريبة بحكم كونها جمعيات لا تهدف إلى الربح باستثناء حالة توفرها على مشاريع مذرة للدخل، إذ حينها تخضع مداخيل هذه المشاريع للضريبة (مطعم، حانة، محلات تجارية…)، علما أن قانون الشركات 24-86 عندما استثنى الجمعيات التي لا تهدف إلى الربح من الضريبة لم يقدم تعريفا واضحا للجمعيات المعفاة من خلال تحديد السقف المالي الذي يعفي أو يلزم الجمعية بدفع الضريبة، مقابل ذلك نجد أن قانون الضريبة على الدخل 30-85 يعفي صراحة الجمعيات ذات النفع العام، وبالنسبة إلى المجال الرياضي فعدد الجمعيات المندرجة ضمن هذا التعريف هي خمسة هي جائزة الحسن الثاني للغولف وأكاديمية محمد السادس لكرة القدم والأولمبياد المغربي الخاص والجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى وجمعية اتحاد الفتح الرياضي.

السؤال الذي يطرح نفسه، هل نحن أمام تهرب ضريبي؟ أم نحن أمام غض طرف من طرف الدولة؟، الجواب الأكثر دقة هو أننا أمام حالة تغاضي من الدولة عن فرض ضرائب على المستفيدين من القطاع الرياضي، لأنه في حالة الإقرار بوجود تهرب ضريبي فإننا سنكون بصدد الاعتراف بوجود احترام من بعض المستفيدين لقانون الضريبة على الدخل، في حين أنه لم يسجل طيلة تاريخ الرياضة المغربية أن أدى أي متدخل رياضي ضريبة على مداخيله. ويمكن إرجاع أسباب تغاضي الدولة عن فرض الضريبة إلى ظروف الممارسة الهاوية والمشاكل المادية التي تتخبط فيها الفرق، وبالتالي فإن تغاضي الدولة عن مداخيلها من الضرائب الواجبة على المدربين واللاعبين يأتي كدعم غير مباشر للممارسة الرياضية الهاوية بالمغرب. لكن هذا الإعفاءلجل المتدخلين في الرياضة من أداء الضريبة على الدخل يتم حاليا في المغرب في غياب نص قانون يجيز ذلك أو يستثني القطاع الرياضي من قانون الضريبة على الدخل كما هو الحال مثلا بالنسبة إلى الإعفاء الذي يمتاز به القطاع الفلاحي، باستثناء إشارة عابرة وردت ضمن تدابير استراتيجية وزارة الشبيبة والرياضة 2010 – 2012 وتضمنت توجها نحو إعفاء الرياضيين ذوي المستوى العالي من الضرائب على الأجور إلى غاية متم 2020 ، علما أن هذه الصيغة جاءت كما لو أن الرياضيين من المستوى العالي يؤدون بالفعل ضرائب على الأجور وتم إعفاؤهم في حين أنه لم يسبق لهم أداء أية ضرائب على اختلافها.

ووسط هذا الطرح، لا بد من الإشارة إلى أنه في ظل الممارسة الهاوية هناك لاعبون ومدربون يتلقون أجورا تبتعد كثيرا عن الهواية وتقترب أكثر من الاحتراف، فامحمد فاخر والفرنسي آلان جيريس كانا يتقاضيان 200 ألف درهم على التوالي من المغرب التطواني والجيش الملكي، نفس الأمر بالنسبة للمدربين المحليين والأجانب الذين تعاقبوا على تدريب المنتخب المغربي كالبولوني هنري كاسبرجاك والبرتغالي هومبيرطو كويهلو والفرنسيين روجي لومير وهنري ميشيل والبلجيكي إيريك غيريتس.

وفي ألعاب القوى، فإن مسابقة واحدة في العصبة الذهبية كانت تذر على هشام الكروج ما يفوق 400 ألف دولار، كما أن جواد غريب تعاقد مع ماراطون لندن مقابل 300 ألف دولار للمشاركة في بعض دوراته. وإذا كانت بعض التقديرات بخصوص المدخول السنوي للرياضيين في ألعاب القوى فاقت 7 ملايين دولار في السنة، فإن التقديرات الخاصة بمدخول مختلف الرياضيين الممارسين بالخارج قاربت 30 مليون دولار، وهي كلها لا تخضع لأي اقتطاع ضريبي.

أما على صعيد الفرق، فإننا نجد أنفسنا أمام وضعية معاكسة لما هو معلن عنه رسميا، فالبطولة المغربية محترفة رغم الصورة المروج عنها داخليا، فلاعبون يخضعون للتداريب ست مرات على الاقل في الاسبوع، 91 في المائة منهم إما لا يتوفرون على عمل أو طلبة، ويتقاضون أجورا محترمة وفق المعايير المغربية لا يمكن إلا يكونوا لاعبين محترفين، ونأخذ مثالا فريق الرجاء، فالأجر الأساسي الموحد للاعبين محدد في 5500 درهم، وباحتساب منح المباريات، فإن متوسط أجر اللاعب قد يفوق 10 آلاف درهم في الحالات التي يكتفي بها الفريق بتحقيق انتصار وتعادل خارج الميدان في الشهر الواحد (وقد يصل أيضا إلى حوالي 30 ألف درهم)، الأمر الذي يرفع الأجر السنوي إلى حوالي 100 ألف درهم على الأقل للاعب الواحد بدون احتساب منحة التوقيع، وبالتالي يطبق عليه الخصم بنسبة 38 في المائة، أي ما مجموعه 38 ألف درهم للاعب الواحد لصالح الخزينة، وهو ما يمثل على الأقل 836 ألف درهم في حالة احتساب مداخيل 22 لاعبا.

 فرض الضريبة وسيلة لخلق رياضة مهيكلة ومنتجة

إن الدولة لم تستشعر التغيرات التي طرأت على الميدان الرياضي، فالوضعية التي كان يغلب عليها التطوع وغياب الإمكانيات المادية قد ولت مع الألفية الثانية، وأصبحت الفرق في الوقت الحالي تدير شؤونها بميزانيات تفوق 50 مليون درهم في السنة، وتمنح مهمة تدريب اللاعبين لأطر تتعدى أجورهم مداخيل الأطر العليا بالمغرب وكبار المديرين بالإدارات العمومية، وهو ما ينطبق أيضا على أجور اللاعبين. الأمر الذي يفرض مراجعة حالة التغاضي التي كرستها الدولة تجاه القطاع الرياضي، ليس من خلال فرض نفس الضريبة المطبقة على باقي الميادين، وإنما عبر سن قانون خاص يتميز بالمرونة بدون أن يعفي الرياضيين من أداء الضريبة إسوة بباقي المواطنين، وهو ما سيتحقق في حالة تطبيق المرسوم المشار إليه في السابق والذي يتحدث عن استخلاص موارد من الضريبة على الشركات الرياضية وأجور واللاعبين بشكل تدريجي. وكمثال، فـ 21 دولة من أصل 27 دولة تنتمي إلى الاتحاد الأوربي تدعم القطاع الرياضي من خلال تخفيض الضرائب والاقتطاعات من الأجور الخاصة بالرياضيين بدون أن تصل إلى حد الإعفاء الكامل.

إن القطاع الرياضي في الوقت الحالي هو عبارة عن قطاع غير منتج بسبب غياب سياسة ضريبية وعدم تطبيق قانون الشغل، وبالتالي، فإن عدم القدرة على ضبط المداخيل والمصاريف الحقيقية للقطاع وعدد المستفيدين من أنشطته يدفع إلى تصنيفه ضمن القطاعات غير المهيكلة (Secteur informelle).